Malaysia my sweet year

My Photo
Name:
Location: cairo, Egypt

ماذا اقول عن نفسى غير ما اريد الا يعلمه احد عنى فأن انت سألتنى عن نفسى فأن ما تسمعه منى ليس ألا ما استطيع ان أقوله فهل تستطيع ان تسمع ما لا اقوله لك ؟

Saturday, May 06, 2006




















كان لابد ان اسجل هذه اليوميات في حينها او بعد عودتى الى مصر حتى لا تضيع منى التفاصيل الصغيرة و ما اكثرها لكن الواقع ان ما احاط بى بعد عودتى الى مصر اخذنى عن هذا الواجب و كنت احسبه ترفا حتى شعرت الان ان هذا واجب على ان اسجل هذه التجربة الانسانية من ناحية كما انها حق لأولادى فقد يجدوا فيها ما يستحق ان يعرفوه عن ابيهم
اولا انا من اكون ؟
الاسم : ايهاب
المؤهل : ليسانس حقوق
الميلاد : 18 / 12 / 1966
الهوايات : القراءة / الكتابة / التحليل السياسى / الاستماع للغناء ذات المعنى مثل محمد منير و الشيخ امام و الحجار
المهم بعد تخرجى من الكلية و انتهاء مدة التجنيد ساعدنى احد الاقارب في ايجاد فرصة عمل ذهبية لم اكن احلم بها و ان كنت قد تمنيتها كثيرا و ذلك بأحد كبريات دور النشر المصرية و كانت هذه الوظيفة فرصة ذهبية لشخص يهوى القراءة و الثقافة فقد كنت امارس العمل بحب و شغف مما اوجد رابط بينى و بين كثير من المثقفين و لا اقول الزبائن المترددين على المكتبة و بينما كان باقى الموظفين يمارسون البيع و الشراء على اساس انهم مجرد باعة كنت اعتبر نفسى مرشدا و صديقا لمن يدخل المكتبة و كثيرا ما كان ينشب حوار طويل بينى و بين اى شخص يسأل عن اة كتاب مرشدا له عن كتاب افضل مما يسأل عنه او مكملا له او لافتا نظره الى شوائب اراها في الكتاب الذى يطلبه و كان هذا يثير انزعاج مدير المكتبة على اساس ان هذا مجهود بلا طائل او لا لزوم له في حين كنت ارى ان هذا واجبى فألعمل في مكتبة ليس مجرد بيع فقط بل رسالة و امانة و كان عملى هذا من الروعة و الاهمية ما شكل شخصيتى و جعلنى اقابل شخصيات لم اكن احلم مجرد الحلم ان اراها فقد زرت الشيخ الجليل محمد الغزالى استاذ الشيخ يوسف القرضاوى و كان هذا اروع يوم في حياتى ان اقبل يد هذا الامام الذى شكل حياتى بكتابه الرائع و الهام السنة النبوية بين اهل الفه و اهل الحديث و الذى تعلمت منه كيف ان الحديث النبوى ليس مجرد الفاظ جامدة بل ان فقهها و فهمها يعطينا مفهوم اعمق و اشمل لمقاصد الرسول ( ص ) و كذلك اتاح لى عملى ان اقابل الاستاذ فهمى هويدى و هو الاخر نموذج للمثقف المهموم بالشأن العام و ليس بتوافه الامور و رأيت كذلك انيس منصور و كذلك الاستاذ الجليل نجيب محفوظ هل اسعد الحظ شخص مثلى ؟ لا اعتقد و ليس هذا فقط ما اراه و او اعطانى عملى هناك بل الاكثر ان ارى و المس الشغف بما هو عربى و مسلم لدى الاجانب فقد اتاح عملى ان التقى بالعديد من الاجانب سواء الدارسين او العاملين بمصر و لا زلت اذكر كثير من الحوارات التى جرت بينى و بين هؤلاء حول العديد من المسائل المثارة دائما مثل وضع المراة في الاسلام و حقوق الانسان و غير ذلك و لعل اهم لقاء لى كان مع فتاة ايرانية مازلت اذكر اسمها حتى الان و هى نيلوفر شيخ و هى ايرانية كانت مقيمة و تدرس بالولايات المتحدة و كانت قد حضرت الى القاهرة لاجراء بعض المقابلات و الحوارات مع المفكرين المصريين حول نمو التيار الاسلامى .
المهم بعد ان عملت لعدة سنوات و اثبت وجودى انتدبنى مالك المكتبة للعمل بفرع المكتبة باحد قرى الساحل الشمالى فكانت اول التغيرات الجوهرية في حياتى فقد كانت من جهة اول مرة اجرب فيها الغربة و الاعتماد على النفس و لا اكذب عليكم و اقول انى اثبت نجاح في التغلب على مصاعب الغربة لكنى لم اكن احفل بهذه الصعوبات فالمهم العمل و اداء الواجب و اثبات الذات و الحمد لله في كل هذا لكنى من داخلى كنت ممتعض بين الرسالة التى احلم بها و بين الواقع الذى اراه في هذا المنتجع الشديد الثراء فبشر يصرفون النقود بغير حساب و بشر كل همهم في الدنيا كيف يسهرون الليل و رجال يترنحون تحت اقدام الراقصات و حينما يدخل احد بالخطا الى المكتبة فلكى يسألون عن كتب الابراج او كتب الفضائح كنت اتعجب حينما ارى مستوى مجتمع الصفوة العقلى و كيف هو مضمحل و لم يكن لدى اى قدرة على مسايرة الخطا و لو قيل لى ان الزبون على حق خاصة ان مالك المكتبة كان قد علمنى مبكرا رسالة في غاية الاهمية فقد رغبت ذات مرة ان احضر الى المكتبة نوعية معينة من الكتب ( فكرية ) و ليس بها اى خروج على الاداب و كنت ارى ان هذه النوعية مطلوبة فإذا به يثور على ثورة كنت اعلم انها ليست من خصاله و اخذنى الى المكتب و هو يشرح و هو في غاية الغضب منى ان الدار ليست في حاجة الى مكسب مادى مهما كان كبير و ان الثقافة رسالة قبل ان تكون عرض و طلب و لو ادى الى ان يخسروا اموالهم نظير الا يخسروا اسمهم و هدفهم في مجال تكوين العقل المصرى و بقدر ما كنت خجول من هجومه على بقدر سعادتى ان اعمل مع هذا الرجل .
المهم ساعدتنى ظروفى فيما بعد و ما لاحظه ملاك المكتبة على ان يصعدونى في عملى و كانت اروع تجربة في حياتى ان اعمل مع احدرواد النشر في العالم المصرى رجل يبلغ من العمر ما يزيد عن السبعين عام مثقف ثقافة مرعبة مؤدب ادب يؤسرك لديه دقة و انتظام في العمل تجعل الشباب يخجلون من انفسهم لديه حب للعمل تفوق قدرة مؤسسات كاملة على احتوائه ضف الى ذلك انه و هو يعمل يجعلك تشعر بانه دون عمره بكثير نشاط و حيوية و يقظة تربك كل من حوله و هو الى ذلك قليل الكلام و اكثره يكون بايماءة من يده او راسه تفهم منها ما يريد اما غضبه فما اقساه فهو لا يثور و لا يرفع صوته او يخصم من راتبك بل هو اقصى انه ينظر اليك نظرة واحدة بطرف عينه تتمنى لو انشقت الارض و ابتلعتك ثم انه بعدها يتجاهل وجودك لأيام كاملة الا من رد التحية او القائها حتى تتمنى ان يضربك بالنار بدلا من هذا التجاهل و رأيت هذا الرجل المسن كيف ينشغل بمصر و مستقبلها الثقافى و الفكرى و العلمى و كان العمل معه مدخلا لرؤية رجال اخرين من رجالات مصر المحترمين بل هم من خيرة عقول مصر رجال مثل نائل بركات بروفيسور الفيزياء و المستشار عبد المحسن فرج و غيرهم مما ضاعت اسمائهم من ذاكرتى الان
و مضت الايام بى بين العمل صباحا مع الوالد و مساء مع الابناء حتى وافت المنية هذا الاب الذى يعلم الله وحده ماذا قدم هذا الرجل لمصر فكانت اول مرة ادخل دار الاوبرا اذ اقيم حفل تأبين رائع له حضره صفوة المجتمع و انحصر عملى بعد هذا في المكتبة بعد اخفاق الابناء في استكمال عمل الاب حتى جاءت لى فرصة لم اكن احلم بها اذ افتتحت المكتبة فرعا لها في ماليزيا و لم اتاخر لحظة ان اتقدمو جائتنى الفرصة و وجدت نفسي في طريقي إلى ماليزيا صحيح أن الأمر كان صعبا على الأسرة التي كانت تستصعب سفري إلى الساحل الشمالي لكن أمام اصرارى لم يكن في وسع امى فعل شئ و قد كنت متجها إلى ماليزيا و في ذهني شيئان متناقضان اولهما ما كان يشاع في مصر في فترة الستينات و السبعينات من كوميديا و سخرية من كوالالمبور و الحديث عنها بسخرية على إنها شئ متخلف أو بعيد في الأدغال و كان يكفى أن يقول سمير غانم انه رائح كوالالمبور كي يموت المشاهدين من الضحك كان هذا في ذهني و أيضا كان في ذهني ما أشيع في أوائل التسعينات عن النهضة التي بدأت في دول جنوب شرق أسيا مبتدأة من تايوان و سنغافورة ثم انضمت أليهم في فترة تالية دول أخرى كان من بينها ماليزيا و تايلند و اندونيسيا و كان في ذهنى اننى سوف ارى نهضة صناعية محدودة مقارنة بالوضع في مصر .المهم دعوا ما رأيت الى جزء تالى و دعونا نكمل المسيرة حان يوم السفر الجمعة الموافق 23 اغسطس 1996 و كانت الطائرة في وقت متاخر ليلا و لا اخفيكم مقدار خوفى من فكرة ركوب الطائرة و التى شغلتنى ليالى طويلة لكن الواقع فرض نفسه و وجدت نفسى و قدماى اللتان لا اشعر بهما تدخلانى مطار القاهرة لأول مرة في حياتى يوم 23 اغسطس 1996 و لم يكن امامى الا اصطناع الشجاعة فمعى احد السيدات من قريبات صاحب المكتبة مسافرة معى الى ماليزيا و كان من العار ان اظهر امامها بمظهر الخائف درجات سلم الطائرة تبدو لى مثل الموانع التى اجتازها كالبطل امام نفسى و لن انسى مشهد رجل كان يصعد درجات السلم امامى و هو يقول بأبتسامة لا اعرف هل هى حقيقية ام مصطنعة لعمال تزويد الطائرة بالوقود امانة عليكيم و النبى تتوصوا ودخلت الطائرة كانت بالنسبة لى مثل الوحش النعدنى البارد التى تحتوينا بداخلها بكل برود جلست على المقعد المخصص لى انتظر برعب جمد اطرافى هذه اللحظة التى لا مفر منها حتى جائت تحركت الطائرة فجأة بكل قوة بصوت يصم الاذان و نظرت من شباك الطائرة على الممر الذى تأكله الطائرة اكلا و اعمدة الاضاءة مثل الفلاشات و الوميض السريع و فجاة شعرت بميل الطائرة قليلا الى الخلف و هى تتخلص من هذه اللعنة الابدية المسماة بالجاذبية المكتوبة على الانسان لم اشعر في هذه اللحظات حقيقة بنصف ساقاى شعرت و كانى قد فقدت اطرافى كنت اشعر كان الشلل قد اصابنى لحظات طويلة مرت كنت اود الذهاب الى التواليت و لكنى حقيقة كنت اقاوم هذه الرغبة كنت اخاف ان اقوم من مقعدى فلم اكن اعتقد انى في امكانى ان اقوم من مقعدى و ان اسير في الطائرة على قدماى التى لم اكن اشعر بهما لكن كان على ان اتغلب على مخاوفى كلها المهم اسغرقنى الوقت و كم كان طويل و كنت انظر الى الاسفل فلا اجد الا ظلام دامس لا ينتهى و كنت اتعجب كيف يتعرف الطيار على طريقه في هذه الظلمة اللامتناهية و كنت اتفكر مع نفسى ماذا لو اخذ الطيار طريق اخر في الظلام فوجدنا انفسنا مثلا في شمال اوربا او غربا في امريكا لكن الله سلم على اى حال و سمعنا من الاذاعة الداخلية اننا على وشك الوصول الى سنغافورة كنت الان على وشك الولوج الى عالم اخر عالم لا اعرفه وجوه جديدة و لغة جديدة و طبائع جديدة هذا غير قوانين جديدة لا اعرفها و من الواضح انه كان على ان اتنبه الى كل حركة و سكنة اقوم بها فانا غريب و لا اعرف من سيكون بجانبى في اى محنة او ورطة اتعرض لها فتحت الطائرة ابوابها و كانت اولى المفاجآت الطائرة مربوطة بأنبوب كبير يوصلها بقاعة الوصول على باب الطائرة وجوه جديدة من الفتيات الصينيات كلهن ذوات سحنة واحدة ابتسامة جذابة و شعر منسدل بدون اى عناء كان في استقبالنا صاحب المكتبة الذى اخبرنا ان امامنا حوالى ساعة حتى نستقل طائرة اخرى الى ماليزيا نسيت ان اخبركم ان الرحلة من القاهرة الى سنغافورة كانت تستغرق حوالى خمسة عشر ساعة و كان علينا ان نتحرك من صالة الوصول الى صالة المغادرة و هى مسافة لا تتجاوز العشر دقائق داخل المطار لكنها كانت فرصة ذهبية ان ارى هذا المطار الرائع ابتداء من السير الكهربائى الذى نقف عليه فيتحرك في جنبات المطار بدون مجهود مننا الى الاعمال الفنية الضخمة التى تملأ جنبات المطار الى الالية الكاملة و السرعة التى يتحرك بها الجميع داخل المطار كنت مصدوم من مقارنة ما اراه بما تركته في مطار القاهرة الرث و المزدحم بلا نظام و لا شكل و كان واضحا ان الفارق بين المطارين يمثل انتقال حقيقى بين عالمين و بدات اشعر بالمعنى الحقيقى لكلمة النمور الاسيوية فلم ارى الا نموذج لعالم منظم جدا و هادئ جدا و فوق كل هذا رائع جدا فكل شئ تشعر انه في مكانه الذى تتوقعه بالظبط و النظام يدل على معانى هائلة من التقدم و الانظباط المهم وصلت الى قاعة المغادرة و غادرنا مطار سنغافورة و انا على مضض فقد كنت اتمنى ان احوذ على وقت اطول يمكنى من مغادرة المطار و التجول في البلد لكن كان على الا ابدى لصاحب العمل من الان اننى لا اطيع الاوامر استقلينا الطائرة الى ماليزيا و وصلنا اخيرا الى مطار العاصمة الماليزية لأجد شئ رائع وجميل اسمه النظام و الفخامة لم يكن ما اراه يقل ابدا ان لم يزيد عن المطارات التى نشاهدها في الافلام الاجنبية زد على هذا ابتسامة لا تغادر الوجوه و نبرة صوت هادئة منخفضة من الجميع و اى كان ظابط الجوازات و الجمارك و كان واضحا امامى الان الصورة العرقية للبلد فأمامى ثلاثة اشكال اكثرهم الملاويين و هم سكان البلد الاصليين و لون بشرتهم اقرب الى البنى و هم من نراهم في الازهر من سكان اندونيسيا و لغتهم هى لغة الملايو و كلهم من المسلمين و واضح انهم اساسا جزء بشرى من الاندونيسيين سكنوا جزيرة الملايو القريبة من مجموعة الجزر الاندونيسية ثم هناك الصينيين و هم بوذيين و اعتقد ان شكلهم معروف للجميع ثم هناك الهنود و اظن كذلك ان اشكالهم معروفة و هم على قسمين الهندوس و السيخ و ان كان بين الصينيين و الهنود قد تجد بعض المسلمين ثم ان هناك اقلية ضئيلة من المسيحيين من بين الهنود و الصينيين ممن نجحت جهود التبشير التى لا تكل و لا تمل عن اصطيادهم اما عن استيطانهم في الملايو فكان من فترة طويلة تزيد عن القرن و النصف و هم الان الصينيين و الهنود جزء اصيل من سكان البلاد يحملون جنسيتها دون غيرها و يندمجون في مؤسساتها كلها بدون تمييز بل بالعكس فقد نجح الصينييون من الامساك بعصب اقتصاد البلد لفترة طويلة من تجارة و بنوك و صناعة قبل ان يأتى الرجل الذى اصبح عنوان لعصر جديد ليس في ماليزيا وحدها بل في العالم كله الرجل الذى لا نعرف اسمه الحقيقي في الصحف و نصر ان اسمه مهاتير و لا اعرف حتى متى نقلد الغرب بدون وعى مع ان اسمه هو محاضر محمد هذا الرجل الذى جاء الى الحكم فصنع نهضة ليس هنا مكانها الان المهم دعونا نعود حيث كنا داخل المطار فقد انهينا الاجراءات في لحظات وسط ابتسامات عذبة من الجميع تشعرك بانك ضيف عزيز و لست مشبوه و متهم دائما كما هو الحال في بعض دوائرنا الحكومية و خرجنا من المطار و دبت قدمى اولى خطواتها في هالم اخر اسمه ماليزيا لا اعرف عنها الا انها بلد على اعتاب ثورة اقتصادية و صناعية كبيرة و في لحظة واحدة ادركت انها ليست فقط على اعتاب هذه الثورة بل انها في قلبها فعلا فقد فتح لنا صاحب المكتبة سيارته الخاصة لأفاجئ بقمة الفخامة و الروعة و عندما سألته عن ماركة السيارة قال ان اسمها ( بردانا ) استغربت الاسم فقال لى ما صعقنى ان السيارة ماليزية نعم انهم وصلوا الى هذه الدرجة انتاج سيارة وطنية خالصة ليست واحدة فقط بل ثلاثة سيارات اقلهم فخامة بروتون ساجا و المتوسطة بروتون ويرا اما افخمهم فالبردانا المهم استقلينا السيارة و طارت بنا على طريق ناعم واسع و صافحت عيناى خضرة كثيفة علة جانبى الطريق لم تكن خضرة مصطنعة و مجرد مجموعة اشجار مزروعة بل ان انها بقايا غابات كثيفة تم شق الطرق بينها طرق في غاية الروعة و خضرة تعطى للحياة بهجة حينما نزلت من السيارة بدأت استوعب جيدا كل ما حولى فهناك رائحة غريبة في الجو فهمت فيما بعد انها تتعلق بالرطوبة و الطقس الاستوائى كانت صحيح رائحة غريبة لكنها لم تكن سيئة بالعكس فأنا مشتاق لها الان جدا صحيح انى كنت منزعج من الطقس الحار جدا و كثافة الامطار المتساقطة و كانت هذه من اولى الغرائب ان يكون المناخ حار و ممطر معا فنحن اخذنا على ان تكون الامطار مرتبطة بالشتاء اما ان ارى الامطار في هذا المناخ الحار فقد كان الشئ الجديد و كان من الغرائب الاخرى نظام المرور فنحن معتادين على السير من اليسار اما هناك فالسيارات تسير من اليمين و لا تتصورون كم عانيت من هذا النظام فترة طويلة كى اعتاد عليه و لن انسى ابدا كم مرة هممت بعبور الطريق في بداية وجودى هناك و يهيأ لى ان الطريق خالى ثم افاجئ بكلاكسات السيارات تأتى من الاتجاه الاخر الذى لم اتوقعه المهم نزلت من السيارة امام باب المكتبة التى كانت تحتل مساحة واسعة في مبنى تجارى كبير كان لنا فيه بلوك مكون من اربع طوابق الارضى مكتبة و الاول مركز تعليمى للغة العربية و الثانى مخزن للكتب و الثالث و الاخير طابق ادارى كانت الساعة قد قاربت على العاشرة مساءا التقيت امام باب المكتبة باحد المصريين المقيمين منذ فترة طويلة في ماليزيا و كان يتولى عملية التسويق و فهمت من صاحب المكتبة ان عملى هو تنسيق الكتب و اعداد القوائم و الطلبيات من القاهرة و اقامة المعارض في الجامعات الماليزية فيما يتولى هذا المصرى عملية التسويق لدى الهيئات و الوزارات بالطبع كان الوقت متأخر على اى عمل فذهبت مع هذا الصديق و لنسميه م الى السكن و كان عبارة عن شقة مفروشة مملوكة لأحد الصينيين في مبنى اشبه بالمساكن الشعبية مكونة من حجرتان و هناك التقيت بمجموعة من المصريين مكونة من ثلاثة غير م يجمع بين الكل انهم جميعا من الارياف الذاهبين الى ماليزيا بحثا عن عمل و بالتالى كان وضعى انا مميزا بالنسبة لهم فاذا كانوا هم كلهم ليس لهم فعلا في موضوع الكتب و كان مطلوبا منى ان اشرح لهم طبيعة العمل و كل ما يتعلق بأنواع و تصنيفات الكتب هذا غير انهم كلهم غير معروفين جيدا لصاحب العمل مثلى المهم عدت اول ليلة لى منتظرا الصباح بفارغ الصبر و حينما جاء استيقظت متشوقا ان ارى البلد كان من سوء حظى ان السكن لا يبعد عن المكتبة الا حوالى خمسة دقائق سيرا على الاقدام و بالتالى فأن حركتى اليومية كانت محدودة لكن ما باليد حيلة كانت المنطقة اشبه بمجموعة بلوكات سكنية تقليدية مشابهة تماما لما هو موجود عندنا و امام هذه المساكن تقع منطقة رياضية خاصة بأحد الاندية الرياضية و اسمه FAS و هذه المنطقة مخصصة لتدريباته مع العلم بأن كرة القدم ليست رياضة شعبية هناك مقارنة بكرة الريشة و الهوكى المهم داخل هذه الساحة كان يوجد مطعم احتل مكانة هامة جدا بالنسبة لنا نحن المصريين فمعظم وجبات الفطار و العشاء كانت في هذا المظعم و هناك اكتشفت اعجوبة جديدة فمعظم الماليزيين لا يتناولون وجباتهم في منازلهم بل في المطاعم المنتشرة هناك انتشار اكتشفت انه مثل الوباء فالمطاعم بالعشرات و لكل طائفة مطاعمها فهذا يقدم طعام الملايو الحلال و هذه مطاعم الصينيين و تلك للهنود و هناك مناطق شاسعة مخصصة لمجموعات متجاورة من المطاعم تسمى FOOD COURT او ما يمكن ترجمته بساحات الطعام

او ما يمكن ترجمته بساحات الطعام المهم بدأت رحلة عملى بالتعرف على مجموعات الكتب الموجودة و تنسيقها و تصنيفها و في ذات الوقت التعرف على هذا البلد و كان اول احتكاك مع البلد من خلال المطعم المجاور كنا في مصر لم نتعرف على الموبايل ساعة ان غادرت لكن في اوائل الايام و اثناء توجهى الى المطعم ساعة الغذاء استوقفتنى سيارة تتوقف اما المطعم و ينزل منها شخص يحمل الموبايل و كان بالنسبة لى يومها قمة التكنولوجيا التى اتوقف امامها مبهورا كان شكل الرجل و هو ينزل من السيارة يوحى بانه شخص هام سيارة و موبايل اعتقدت انه احد رجال الاعمال ما علينا اكملت سيرى الى المطعم و جلست في انتظار اى شخص اطلب منه الطعام فجاء الى هذا الرجل الذى رأيته ينزل من السيارة و سالنى عن طلباتى و كان الواضح لى من وجهة نظرى العبيطة انه ربما يكون صاحب المطعم او مديره و يا لهول ما اكتشفت مع الايام فقد عرفت انه مجرد عامل عادى في المطعم فلما سألت من حولى عن الشياكة التى يعيش فيها هذا الرجل عرفت ما جعلنى اعض اصابعى حسرة فقد علمت ان هذا شئ عادى في ماليزيا ان يتقدم اى شخص الى اى بنك ماليزى و يطلب قرض و لا يمر اكثر من اسبوع او عشرة ايام الا و يكون قد صرف القرض اما الضمانات و العك المصرى فغير موجود هنا فالمواطن الماليزى في نظر حكومته ليس نصاب و لا مجرم يخشى منه بل هو شريك في التنمية و له حق على بلده ان يحصد ثمار كل تقدم و على هذا فالمواطن الذى يتقدم الى البنك بما يثبت مورد دخله و مكان اقامته يحصل على القرض بضمان شخص اخر هذا فقط دون ضمانات عقارية او سيارات او اى تعقيدات ليس هذا فقط بل ان التيسيرات تشمل ايضا الاجانب المقيمين في ماليزيا اقامة شرعية و اعرف مصريين حصلوا على قروض هناك لم يكونوا ليحصلوا عليها لو كانوا في بلدهم المهم نعود الى حيث كنا في المطعم و حكاية اخرى حدثت لى كنت قد اكتشفت حاجتى الماسة الى تعلم لغة البلد بعد حادث طريف حدث لى هناك فقد كنت قد قررت الاعتماد على انجليزيتى في حياتى اليومية و ذهبت الى هناك و حاولت التفاهم مع الصبية الموجودين و اكتشفت صعوبة ذلك فلا هم يعرفون الانجليزية و لا انا كنت قد تعلمت لغتهم بعد فأحترت الى ان هدانى تفكيرى الى حل غريب فقد اخذت اشير لهم الى الاصناف التى اود ان اتناولها و انتم تعلمون ان الطعام الاسيوى يمتاز بانه حار جدا جدا فلما احضروا ما طلبت شعرت بأن النار تخرج ليس من فمى وحده بل من كل فتحات رأسى و كدت ان اموت من اجل شربة ماء و لكن كيف اطلبها منهم حاولت ان اشير لهم انى اريد الشرب فابتسم احدهم لى و انصرف لحظات و إذا به يحضر و معه كوب من الشاى كنت اريد ان اقول له يخرب بيتك و لكنى لم اكن اعلم معناها بالماليزى بعد و النار في فمى تزداد اشتعالا قلت له no و حاولت ان اشير له الى الماء في مائدة مجاورة فضحك و جرى و احضر لى كوب من الماء فوجئت بأنه ماء ساخن و كنت اعلم انى لو قتلته في هذه اللحظة فلن استفيد منه شئ كنت اريد ان ابكى مثل الطفل الصغير و انا نفسى في كوب من الماء البارد لكن كيف اطلبه من هؤلاء المساكين ثم عرفت فيما بعد ان الماء هناك مثله مثل اى مشروب يطلب و يحاسب عليه ثم انهم لا يشربون الماء الا ساخن اما من يشرب الماء المثلج فانهم يعدونه متفرنجا .
كنت انظر الى المجتمع الذى اعيش فيه و ارى كل تصرفاته و اقارنها بما عشت فيه لآكثر من 30 سنة كنت ارى ماليزيا كنموذج للتنمية الاقتصادية المدروسة و المخطط لها بعناية لكن الاهم من ذلك كنت ارى اصرار البشر على المحافظة على هذه التنمية و استمرارها و كنت ارى كيف تتحول الخطط القومية الى عمل على الارض و انجازات فقد كان كل يوم لى في ماليزيا شاهد على شئ جديد فليس في ماليزيا ما نراه عندنا من خطط على الورق تتم في يوم و تنسى في يوم ثانى بل خطط يتم تنفيذها لسبب بسيط ان هذه الخطط تتم على اساس احتياجات المجتمع الفعلى و كنت ارى حركة عمران على قدم و ساق و تشييد مستمر و انجازات متوالية و ايقنت ان هؤلاء الناس ادمنوا التفوق و الانتاج و انهم يحبون بلدهم فعلا و الدليل ما يقدمونه لها في صمت و ايقنت كذلك ان بلدهم تحبهم بدليل انها تشركهم في عوائد التنمية فهم يشعرون بأن اى تقدم لبلدهم يعنى مزيد من التحسن في حياتهم الشخصية و خلف هذا كله كان يقف رجل واحد لكنه رجل بوزن امة كاملة انه محاضر محمد هذا الرجل الذى نجح في نقل ماليزيا من عالم و واقع الى عالم اخر و واقع اخر لقد استلم الرجل بلد تنتمى الى العالم الثالث محدودة الامكانيات و الطموح و كان الرجل واسع الافق و لديه من الثقة في شعبه و نفسه ما جعل طموحه بلا نهاية درس الرجل واقع بلاده فوجد ان ما تملكه ماليزيا يتمثل اساسا في القصدير و المطاط و الغابات و ان استغلال كل هذا يتم بوسائل متهالكة بدائية فعرف ان تحديث الصناعة الوطنية هو بوابة التقدم و ان تحديث ادوات الصناعة نفسها و الاخذ بالانتاج الكثيف هو مفتاح التنمية فكانت هذه اولى خطواته الاستغلال النموذجى و الكثيف لموارده الطبيعية مع استغلال عوائد الانتاج في خلق مزيد من التنمية و التصنيع و البعد عن استهلاك عوائد التنمية في مصروفات حكومية و نثرية و كان يعد هذا سرقة لموارد الشعب فبعد عن الانفاق الحكومى الباهظ و بدأ المجتمع يشعر بتحسن في حياته اليومية فقد كانت من اولى اهتمامات محاضر ان يشعر الناس بأنهم المستفيدون من كل ما يحدث في ماليزيا فأهتم بالتعليم و الطرق و التشييد خاصة في المناطق الغير متحضرة و البعيدة عن العاصمة و حرص على خلق جيل جديد متعلم فكان التعليم من اولى اهتمامات ماليزيا و عليها كان على الحكومة انشاء مئات المدارس الحديثة المزودة بالمعمل و التى تخرج لماليزيا كل التخصصات التى تحتاج اليها في معركة التنمية و كان هدف محاضر من تنمية التعليم مزدوج الاول هو خلق الكفاءات المطلوبة مع الاستغناء عن الخبرات الاجنبية قدر الامكان و تجنيب المجتمع مشكلة البطالة مبكراو كان الاهم لدى محاضر غرس روح جديدة لدى الماليزيين هى روح الاعتزاز بشيئين هما دينهم و وطنهم فالمعروف ان الماليزيين المسلمين متدينين جدا جدا و بشكل تلقائى لكنه كان التدين الفطرى التقليدى المتسم بالاستسلام و الاتكال على القدر و كان هذا اول ما حاربه محاضر فقد عمل على توضيح ان الاسلام دين عمل و حركة دون تكاسل او تواكل و محاضر الذى اصبح شخصية وطنية رائدة نموذج على عدم وجود نعرات طائفية فهو من اصول هندية مسلمة لكنه عمل على انشاء حزب قومى قوى و ليس حزب طائفى ضيق فأنشأ الحزب الحاكم منذ فترة طويلة و هو حزب امنو او الاتحاد الماليزى و عمل على تعلية قيمة المواطنة لدى اعراق البلاد الثلاث فلا ميزة لأى عرق على الاخر و البلد ملك الجميع و إن كان هناك برنامج وطنى قوى للنهوض بسكان الريف و الفقراء و معظم هؤلاء من الملايو فيبدو للوهلة الاولى ان هناك اهتمام زائد بالملايو لكن عند امعان النظر تكتشف ان هذا ليس اهتمام زائد بل محاولة مساواة الجميع بمن فيهم اهل الريف البسطاء الذى يغلب عليهم الجنس الملايو و ان كان هذا لا يمنع ان يستفيد من هذه البرامج اى صينى او هندى يعيش نفس الظروف فليس الامر قاصرا على جنس بل على حالات المهم نجح محاضر في صناعة كاريزما هائلة له بعد ان اثبت للشعب قدرته على القيادة و بعد ان لمس الجميع نظافة يده و سعة افقه ليس هذا فقط بل و بعد ان لمسوا ان حبه لماليزيا يترجمه الى خطط عمل و سهر على راحة و رفاهية شعبه و الان دعونا ننظر الى اهم خصال و طبائع و عادات الماليزيين :
الماليزيين شعب هادئ و طيب جدا متدين بطبيعته و دينه شئ عملى يمارس بمعنى انك لا تجد مسلما لا يصلى او لا يصوم فالصلاة امر مسلم به لدى الجميع فلا احد لا يصلى حتى لو كان لصا او راقصة لا يتصور ان احدا مهما كان عمله او ذنوبه لا يصلى و كان من اصعب المواقف لدى ان اواجه ماليزى يعرف انى لا اصلى فقد كان يصاب بذهول و كأنى قلت له انى غير مسلم فالصلاة عندهم هي الدين ذاته .
و الماليزيين شعب مسالم خفيض الصوت لا يميل الى الشغب او الصخب او العراك ظللت لفترة طويلة اراقبهم في طريقة اختلافهم فلم اجد غير نقاش هادئ و لن انسى ما حييت مرة كنت استقل اوتوبيس نقل عام في وسط المدينة في ساعة الذروة المرورية و عند احد مفارق الطرق اصطدم الباص بسيارة ملاكى قادمة من الاتجاه المعاكس و منيت نفسى الامارة بالسوء اننى سوف اشهد اول مشاجرة ماليزية الا ان توقعاتى خابت و لله الحمد فقد نزل سائق الباص و سائق السيارة الملاكى و تصافحا و كانهما اصدقاء و تكلما معا لدقائق لا تزيد عن الخمسة و كنت انظر الى عيونهما فلا اجد ضغينة او غضب بل رغبة حقيقية في الوصول الى العدل و الحقيقة و في نهاية نقاشهم اعطى كل منهما للأخر كارت و تصافحا و انصرفا فلما سألت جارى في الباص عما حدث قال لى انهما اتفقا على اللقاء مساء اليوم في مكتب احد المحامون فاما ان ينهى المحامى الامر بالتراضى بينهما او ان يلجئا الى القضاء هكذا بمنتهى الحكمة و الكياسة و بدون غضب او صوت عالى غير متحضر و هذا كان اول درس لى في معنى ان يكون شعبا متحضرا فلا صوت عالى و لا شئ يفوق العدالة و القانون بهدوء و بدون ان نسمع العبارة الشهيرة انت مش عارف انا مين او انت مش عارف بتكلم مين فالكل سواسية فعلا في كل شئ فأصعب شئ هنا ان تعرف الثرى من غيره فالملابس متشابهة القمصان متشابهة و غطاء الرأس الاسود التقليدى واحد و الهدوء يسود الجميع فلا سيارات فاخرة اجنبية و لا ملابس مستوردة بل ان السمة الوطنية هى التى تغلب على حياة الجميع اثرياء و فقراء ثم ان لديهم عادة لطيفة و هى وضع ما يسمى البادج الذى يحمل الاسم على الملابس كل الناس بما يعطيك فرصة للتعرف على اسم من تحدثه بدون السؤال التقليدى ممكن نتعرف و هم في ذلك سواء الفراش و رئيس الوزراء كل الناس يحملون name tag و هم هناك يعلمون الناس المساواة التامة بغض النظر عن الثراء او الجنس او العرق او الدين و الاجازة الرسمية في ماليزيا هى يوم الاحد و هى قمة الديمقراطية في بلد غالبيته من المسلمين فنظرا لوجود جنسين اخرين من غير المسلمين فقد روعى ان تكون الاجازة الاسبوعية مناسبة لهم و نظير ذلك يتم مراعاة مشاعر المسلمين يوم الجمعة حيث تتوقف جميع منشآت الدولة من وزارات و دوائر حكومية بل و الجامعات و المدارس ساعة الصلاة لأتاحة الفرصة للمسلمين للصلاة و كم كان المشهد جميلا و مؤثرا ان ترى الدولة كلها تتجه الى الصلاة و كم كان جميلا ان نرى باصات المدارس تحمل الاطفال الى المساجد و كأنهم متجهين الى رحلة اونزهة و هكذا ينشأ الطفل و هو يعلم ان الصلاة شئ بديهى لا يحتاج الى سؤال هل نصلى ام لا ثم ان من طبائع الماليزيين التى لم المسها لدى الكثيرين الامانة الشديدة و المطلقة و هى امانة غير محدودة و لا اقول انها غريبة و أذكر هنا واقعة طريفة حدثت لى في بدايات وجودى في ماليزيا فقد كنت اقيم معرض للكتب داخل احد الجامعات الماليزية و هى الجامعة الاسلامية و هى مكان سنفرد له مكان خاص فيما بعد المهم كان هذا المعرض الذى اقيمه عبارة عن صوان واسع له باب من القماش و في احد الايام و كالعادة ذهبت الى الصلاة بعد ان اغلقت الباب القماش للصوان و في هذه الدقائق حضر صاحب المكتبة و انتظرنى حتى عدت و كان على وجهه غضب شديد و سألنى عن سبب اغلاقى للمعرض فقلت له و كان ما اقوله طبيعى حتى لا يسرق منها شئ و اذا به ينتهرنى بهدوء و برود قائلا ان الماليزيين لا يعرفون السرقة حتى الان و لا يسرقون و اذا حدث و سرق احدهم شئ يبقى انتم يا اجانب من علمتموهم و امرنى الا اغلق المكتبة او المعرض ابدا و إذا سرق شئ ان ابلغه على الفور و لن تصدقوا ابدا ما كان يحدث فيما بعد كنت اخرج من المعرض و اتركه مفتوحا للصلاة او الغذاء ثم اعود فأجد كتاب ما غير موجود في مكانه و ثمنه على المكتب و كم من مرة دخل اشخاص لا اعرفهم حتى اليوم و اشتروا منى دون ان اراهم و دفعوا ثمن ما اخذوه بمنتهى الامانة و انصرفوا في هدوء مثبتين لى ان هناك من هو في غاية الروعة و الاخلاق و لن انسى كذلك عدة مرات ان اجد رسالة من شخص ما تخبرنى انه اخذ كتاب ما و لا يعرف ثمنه و مرفق رقم تليفونه لأتصل به ليحضر لى ثمن الكتاب فأتصل به و اخبره بالثمن فيحضره لى او يرسله مع اى شخص اخر كم كانت تلك الايام ايام جميلة و غريبة بالنسبة لى .
و الان دعونا نتكلم عن طعام الماليزيين و مشروباتهم الطعام الاساسى لدى الماليزيين هو الارز و هم يطهونه بعدة طرق و عدة الوان و الارز يسمى بلغة الملايو ناسى و اشهر نوعان نوع ابيض و هو المعتاد لدينا و يسمى ناسى بوتيه و نزع اصفر يسمى ناسى كونين و بجانب الارز هناك السمك و يتم التعامل معه بعشرات الطرق منها القلى او الشوى او الطهى او التجفيف او التمليح لكن الصراحة ان منظر السمك لم يكن مشجعا على تناوله ثم هناك اللحم و يسمى داجن و الدجاج و يسمى ايام و لكل منه عدة طرق في الطهى لمن ليس من بين مئات الاصناف التى رأيتها ما يشابه اى طعام لدينا و كانت في بداية رحلتى مشكلة قوية لدى فنظامى الغذائى سخيف و اختياراتى الغذائية محدودة و لهذا كنت اجد صعوبة في ايجاد الطعام المناسب خاصة مع ازدياد كميات التوابل و الشطة في طعامهم و لهذا كان طعامى هناك محدود في الارز الابيض مع اللحم او الداج المطهو مع الكارى و هو ابسط ما لديهم من اصناف اما نظام الافطار عندهم فيعتمد كذلك على الارز و طبعا لم اكن استطيع مجاراتهم في ذلك فكنت اكتفى بفطائر صغيرة مع الشاى او القهوة او الكاكاو او المشروب الوطنى المسمى تتارى و بالنسبة للشاى فقد كان قريب الشبه و الطعم مما نشربه عندنا اما القهوة و التى كنت اهواها بمصر فليست موجودة هنا بل الموجود شئ اخر لا نعرفه اسود و له طعم قريب الشبه من السودانى المحروق و هم يشربونه في اكواب كبيرة قريبة الحجم من اكواب العصير و هم يشربون كذلك التتارى و هو شئ قريب الطعم من الكاكاو و له رغاء كثيف على السطح مثل عصير القصب لدينا و كذلك هناك ما يسمى الميلو و هو كذلك خليط من الكاكاو و مشروب الشيكولاتة يشربونه مثلجا او ساخنا اما اغرب الاشياء فهو الماء الذى يبيعونه مثل اى مشروب اخر و هم يشربونه في العادة ساخنا و نأتى الى الفواكه و منها ما نعرفه في مصر مثل المانجو و الموز و البطيخ و هناك ما لا نعرفه الا مستوردا مثل الاناناس و ثمرات جوز الهند التى تشبه في شكلها الخارجى البطيخ الا انها صلبة جدا و يتم كسر جزء بسيط من قشرتها بأداة مثل البلطة ثم يوضع فيها بعض السكر و تقدم و هى تحتوى على شيئان عصير جوز الهند ثم اللحاء الداخلى الذى يؤكل بالمعلقة بعد كحته من الداخل و هناك من الفواكه ما لا نعرفها على الاطلاق في مصر و اشهر ما اقصده نوعان من الفاكهة الاول في غاية الجمال و اسمه الرامبوتان و هو عبارة عن ثمرة في حجم الخوخة الصغيرة و لون قشرتها حمراء و لها زوائد تشبه الشوك لكنه ليس حادا كالشوك و هى تقشر باليد و داخلها ثمرة لونها مقارب الى لون ثمرة الليمون من الداخل و طعمها في غاية الجمال اما النوع الثانى فأسمه الدوريانى لكن اجاركم الله من رائحة هذه الفاكهة
فرائحتها مقززة جدا لدرجة انها الفاكهة الوحيدة في العالم التى تحذر العديد من شركات الطيران و المطارات على الركاب حملها معهم او تناولها على متن هذه الطائرات !!!
و الماليزيين من الشعوب التى تنتظم في النوم باكرا فقلما تتجول بعد العاشرة و تجد محلا فاتحا فيما عدا بعض المطاعم الفاخرة و التى تهتم بالاجانب اكثر من ابناء الوطن اما المعتاد فالنوم مبكرا و الاستيقاظ مبكرا جدا و من السابعة صباحا تشعر بأنك في وسط اليوم كل شخص في عمله او مدرسته و البلد نشطة و حية و ليست كسولة او خاملة و من عادات الماليزيين الادب الجم من الصغار تجاه الكبار و من النساء تجاه الرجال و لا يمنع التقدم و الرقى و وصول المرأة الى الوزارة ان تجد الزوجة حتى الان تقبل يد زوجها و لو في الطريق العام على طريقة امينة مع سى السيد فعلا و ليس مجرد تشبيه كما نرى الاطفال يعتادوا منذ الصغر تقبيل يد الامهات و الاباء مما يعطى المشاهد انطباع بقيم الادب و التربية و الاخلاق في هذا المجتمع المتماسك و الناهض فليس هناك ما يمنع ان يكون المجتمع متقدما و محترما معا و ليس ضرورى ان يترافق التقدم مع الانحلال .
نظام ماليزيا السياسى
تتمتع ماليزيا بنظام سياسى فريد يجمع بين العادات الاسيوية القديمة و نظم الحكم المعاصرة فهى تنقسم الى عدة ولايات كل ولاية عبارة عن سلطنة يحكمها سلطان و قد ورثت ماليزيا هذا النظام من العصور الوسطى و كل سلطان هو حاكم شرفى لسلطنته و يورثها لأبنائه لكن هناك حكومة فيدرالية تتولى حكم البلاد ككل و يرئسها رئيس الوزراء على النظام البريطانى و فوقه سلطان ماليزيا و هو احد سلاطين الولايات و يتم اختيار احدهم ليصبح سلطان على البلاد بموجب نظام يسمح لكل منهم بتولى عرش السلطنة بالتناوب و هكذا يصبح كل السلاطين متساويين بغض النظر عما اذا كان يحكم ولاية غنية او فقيرة مما يعطى للشعب انطباع التساوى مهما كانت مكانة ولايته
و ولايات ماليزيا هى سلانجور و كيلنتان و جوهور باروو بيرليس و قدح و نجرى سيمبلان و بينانج و ملقا بالاضافة الى ولايتين تقعان في جزيرة بورنيو هما ولاية صباح و ولاية سرواك و كانت سنغافورة جزء من هذا الاتحاد الا انها ولغلبة العنصر الصينى رأت ان تستقل وحدها عن هذا الاتحاد الذى يغلب عليه الصبغة الاسلامية من ناحية العدد ثم ان عاصمة الاتحاد هى مدينة كوالالمبور و هى خارج سلطات السلاطين و هى مجاورة لسلطنة سلانجور و على عادة اى مدينة بها قسمان القديم او الكوتا و الحديث و هو القريب من سلانجور و تجاور ماليزيا كل من تايلند و ارخبيل برونيو الذى يضم ولايتين ماليزيتين هما صباح و سرواك و تضم الجزيرة كذلك سلطنة بروناى و باقى الجزيرة يتبع اندونيسيا ثم ان هناك سنغافورة التى كانت في يوم من الايام ولاية تابعة لماليزيا قبل الانفصال و لغة السكان في ماليزيا و اندونيسيا و بروناى متقاربة و الفروق بينها طفيفة جدا فيستطيع سكان الدول الثلاث التفاهم بدون اى مشاكل كما انها لغة موجودة بين الاقلية الملاوية في سنغافورة كما انها مستخدمة بين الاقلية المسلمة الموجودة بجنوب تايلند و الساعين الى الانفصال عن تايلند النامية بحكم وجود صلات قديمة مع سكان الملايو بماليزيا المسلمين المهم نعود الى ماليزيا و عملى هناك .
استقريت في عملى و بدأت في الانسجام مع طاقم العمل الذى كان يضم مجموعة غريبة من البشر منهم اثنان من احدى قرى الغربية سافرا منذ فترة طويلة الى هناك بحثا عن العمل و نجحا في اكتساب صداقات العديد من الماليزيين و ثبتا اقدامهما هناك رغم عدم حصولهما على عمل ثابت و هناك شخص ثالث كانت له ظروف خاصة دفعته الى ترك مصر رغم زواجه منذ فترة قصيرة و قد ترك زوجته وحدها مضطرا و هى حامل بالاضافة الى شخص اخر ذهب الى هناك ليكون نفسه و بدأت في التعرف على الجميع سواء في المنزل او و هم معى في العمل اما في العمل فكان معنا بالاضافة الى هؤلاء صديقان اخران من غير المصريين هما شخص من اندونيسيا يسمى ازهر و اخر من تايلند اسمه نور الدين فكانت المكتبة اشبه بسوق عكاظ او جامعة دول شباب ينتمى الى ثلاث دول بالاضافة الى الى من تعرفنا عليهم من ماليزيين هناك ة بدأت اتعرف على عادات خليط من الشعوب و الامم و كان لكل من نور و ازهر طبائع مختلفة و ان كان يجمع بينهما التدين و الهدوء الشديد و بدات في التعرف كذلك على هذه البلد و انتهزت فرصة الاجازة الاسبوعية للأنطلاق الى كل ارجاء مدينة كى ال اختصار كوالا لمبور بين الكوتا رايا و هى اشبه بالعتبة لدينا يميزها هذا المول الضخم بقلب الميدان او حى شاو كيت و هو حى للنزهة اشبه بروكسى ثم هناك سوجو المول الفاخر الراقى و الذى اذا دخلته فلن تشعر بالوقت فقد كنت اقضى الساعات الطويلة تمضى كانها ثوانى و داخل هذا المول تجد كل شئ فعلا من معارض السيارات الى معارض العطور الفاخرة جدا جدا و التى يصل سعر بعض انواعها الى 500 دولار مثلا المهم انك ستجد كل شئ .
و كان من اكثر الاشاء التى شغلتنى بهذه المناسبة موقف محاضر من موضوع الملكية الفكرية ففي ماليزيا تجد عدم التزام تجاه حقوق الملكية في المصنفات الخاصة بالكمبيوتر و الميديا سواء كانت افلام او اغانى على اسطوانات سى دى او فيديو و يرى محاضر انه من غير المنطقى و لا المقبول ان يتم طرح اسطوانة كمبيوتر باسعار مغالى فيها لا لشئ الا لجشع الغرب و كان يقول انه مسئول عن توفير التكنولوجيا لشعبه بأقل الاسعار و لهذا كنا نجد اسطوانات الكمبيوتر بأسعار هزيلة لا تزيد عن الخمسة جنيهات و كان هذا مشجعا للشباب الماليزى على التفاعل مع التكنولوجيا بصورة معاصرة لأقرانهم في الغرب و ليس بصورة متأخرة كما يحدث عندنا بل ان الافلام السينمائية الامريكية كنا نجدها في قلب الكوتا رايا ربما قبل ان يصل الفيلم الى دور السينما الامريكية و رغم الضغوط الامريكية الرهيبة على ماليزيا و على محاضر شخصيا و اتهامه بتشجيع القرصنة و الاضرار بالاقتصاد الامريكى فإن محاضر ظل هادئا و مصرا على موقفه و كانت له مواقف و عبارات رائعة منها قوله انه رئيس وزراء ماليزيا و ليس مدير مبيعات مايكروسوفت او قوله انه مسئول عن رفاهية و تقدم ماليزيا و ليس له شأن بأرباح الشركات الامريكية كل هذا كان يدفعنى الى حب هذه البلد و التمسك بها و مع ما كنت اراه من نهضة صناعية كنت متأكدا من ان ماليزيا على الطريق لتصبح درة العالم الاسلامى و قد نجحت فعلا في اجتذاب قواعد صناعية متكاملة من عديد من الدول فالصناعات الكهربائية اليابانية انتقلت بالكامل من اليابان الى ماليزيا مما ادى الى توافرها بأسعار منخفضة بشكل مذهل هذا غير صناعة الكمبيوتر حيث عاصرت بنفسى انتقال الانسان من المعالجات التقليدية القديمة 486 مثلا الى معالحات البنتيوم هناك و اتذكر بأن موتورولا كان لها مقر هائل على بداية الطريق الذى يقع فيه مسكنا و انا هنا اتحدث عن 1996 تذكروا هذا جيدا
اما القاعدة المؤدية الى هذه القاعدة الصناعية فليست الفهلوة او الصدف بل قاعدة علمية واسعة و عدة جامعات تقنية تشمل كافة المستويات من الثانويات الى المعاهد العليا الى الكليات المتخصصة و اذكر هنا جامعة جمبق في منطقة شاه عالم بسلانجور و التى حالفنى الحظ ان اقيم بها معرض للكتب صادف وجود كرنفال طلابى كبير و رائع اأسف الان انى لم اصوره لكن ما كنت اراه كان خليطا من الجد في تحصيل العلم و البهجة من الاحتفالات الطلابية و الحماس في اثبات الذات من الطلاب و الاساتذة و خلال هذا المعرض الذى دام حوالى الاسبوعين اتذكر حوار لن انساه ما حييت مع استاذ اقتصاد عن النهضة الماليزية فقد وجه لى سؤالين اثنين فقال لى لماذا لا تمنحوا ماليزيا في اعطاء مساعدات اقتصادية و مالية لمصر اننا – الماليزيين – سنكون فخورين بهذا جدا ثم اننا لن نعايركم بها كما يفعل الامريكان معكم ثم سألنى لماذا لا تسعى مصر الى استغلال التقدم الماليزى في بناء حلف اسلامى حقيقى يستند الى مكانة مصر السياسية و القومية و شبكة علاقتها الدولية مع قوة اقتصاد ماليزيا و قوة جيش ايران و واضح ان الرجل كان يملك نظرة استراتيجية متكاملة جعلته يحلم بقيام حلف ثلاثى او رباعى يضم مصر بمكانتها و ثقلها و ماليزيا بأقتصادها و ايران بقوتها و طموحها مما يعطى للمسلمين مجال حيوى و قدرة مستقلة على العمل و الطموح .
ثم هناك قاعدة علمية ايضا لذوى الاتجاهات الاسلامية في الجامعة الاسلامية العالمية بجانب جامعة الملايو هذا غير عشرات المعاهد و الجامعات الاخرى و قد اعطت هذه النهضة المبنية على التخطيط و العلم فرصة لماليزيا ان يصبح التقدم واقع ملموس و ليس مجرد خطط على الورق او امنيات و اعطى هنا بصناعة السيارات فكلفة السيارة الماليزية لا تزيد عن نصف سعر السيارات الاوربية من ذات الفئة مما ادى الى تزايد الطلب الخارجى على السيارات الماليزية خاصة الموديل المعروف بالبروتون ويرا و التى تعادل الهيونداى و البيجو اى انها سيارة فوق المتوسطة و لكم ان تتخيلوا ان المصنع يعتذر عن طلبات عديدة للتصدير لعدم قدرته على تلبية كافة هذه الطلبيات رغم الحاح عدة دول من بينها مصر و لكنها دخلت خلال العامين الماضيين فقط مما يدل على ان هناك توسعات في صناعة السيارات الماليزية لمواجهة طلب عالمى متنامى عليها ثم ان هناك صناعات جديدة و قوية في مجالات الكمبيوتر و اجزائه مما يؤدى الى رخص اسعاره و انتشاره و هى عملية طردية الاسعار تقل و التكنولوجيا تنتشر مما يؤدى الى مزيد من التمكن التكنولوجى بين الشعب و هذا يؤدى الى مزيد من استيعاب المزيد من التكنولوجيا كل هذا يتم بهدوء دون اغانى وطنية و لا شعارات ولا ضجيج البلد كلها تنتج في صمت و تنتعش بهدوء و تسعد و ترتقى بلا اى تفاخر .
عامة مضت بنا الايام بين معارض متتالية في جامعات ماليزيا و تعرف على خصائص و عادات شعبها و كان من بين ما عرفته ما يلى يحب الماليزيين مصر حبا يفوق الوصف و بدرجة غريبة لم اكن اعلم السبب تحديدا في بداية رحلتى ثم اكتشفته فيما بعد فالماليزيين و انا هنا اقصد الملايو يحبون مصر لحبهم للأزهر الذى يحتل عندهم مكانة ليس هنا محل الكلام عنها و لكن يكفى ان تعلموا ان امنية اى ماليزى مسلم ان يرسل ابنه الى الازهر للدراسة فهم ينظرون الى الازهر نظرتنا الى الجامعة الامريكية او السوربون فهى غاية المراد لأى ماليزى تقليدى و لهذا فحبهم لمصر بلا حدود و لهذه النظرة توابع طريفة فهم يتصورون ان كل المصريون يدرسون في الازهر كما يتصورون ان المصريين علماء دين بالفترة فتجد كل ماليزى يسألك في شئون الين متوهما انك اعلم العلماء لمجرد انك مصرى كما انهم و لا حول و لا قوة الا بالله يحسنون الظن بنا على اساس اننا في غاية التقى و الورع فلا يتصورون مثلا ان هناك مصرى لا يصلى او ان هناك مصرى يستطيع ان يكذب
و قد تجسد هذا الحب حيا حينما بزغ نجم الشيخ محمد جبريل و قد كانت اولى سنوات شهرته و اصداره مصحف قيام الليل عامى 1995 و 1996 و حينما وصلت هذه الشرائط الى ماليزيا بعنا منها كميات كبيرة ما دفعت الشيخ جبريل فيما بعد الى الحضور بنفسه الى ماليزيا و سرعان ما وقع الاثنان في هوى بعضهما البعض الشعب الماليزى و الشيخ الرقيق و كانت النتيجة عادة سنوية ترسخت تقضى بتخصيص الشيخ جبريل عدة ليالى من رمضان يقيمها في ماليزيا بل ان الامر وصل ان يصلى بالناس قيام الليل في بعض السنوات في ضيافة سلطان ماليزيا فكان يصلى التراويح بالناس في حدائق القصر وسط اقبال شعبى مكثف و كم كنت شاهدا على عمق و تغلغل مصر في نفوس الناس لدرجة ان اشاهد بعض الماليزيين و غيرهم من اندونيسيا و تايلند يسمون ابنائهم باسم ازهر و كم شاهدت اشخاص يتحلقون حولى فرحين و مبتسمين بمجرد علمهم انى مصرى كان العمل ممتعا فانا لم اذهب الى هناك لأدخر بعض الالاف من الجنيهات و لا لكون نفسى كما يقول الكثير من الشباب و إلا لكنت سافرت الى الخليج و قد كان امامى العديد من الفرص و لكنى سافرت الى ماليزيا كى ارى و اتعلم فقد كنت على موعد ان ارى الاخر في مرحلة حاسمة من حياته رأيته في مرحلة اخذه للمبادرة و هو يتقدم كان كل منا مبهور بالاخر هم مبهورين بتاريخنا و ازهرنا و علمنا و انا ارى بنفسى علمهم و تقنيتهم و تقدمهم كنت منسجما معهم و انا اشعر بان الله يكافئهم على اخلاصهم و تفانيهم و تدينهم و كام كل يوم بالنسبة لى مدرسة اتلقى فيها مزيد من الدروس كنت اول مرة ارى الموبايل و اول مرة ارى فيها الات الكانز ذات العملات المعدنية و الات اخرى تتعامل مع شرائح الفاكهة تضع العملة و تضغط على زر فتنزل لك شرائح الفاكهة مغلفة كنت ارى امامى مجتمع يمارس الرفاهية بشكل لم اكن معتادا عليه و في ذات الوقت كنت ارى احتراما للنظام يفوق قدرتى على الاحترام ففي كل محطة باصات يوجد مكان معين دون سواه لأيقاف سيارات التاكسى عند علامة محددة يقف عندها من يريد التاكسى بهدوء فيحضر التاكسى و يركب الناس بالدور دون تدافع او اضطراب بالدور رجل كان او سيدة و لم اصادف يوما سائق تاكسى يسألك قبل ان تركب عن المكان المتجه اليه او يمتنع عن توصيلك او يفاصل في الاجرة مهما كان المشوار او القيمة الموجودة بالعداد و كان لكل موقف انعكاس عندى على ما نعيشه في مصر و قد تعمدت ان اعيش هذه الرفاهية بشكل مطلق خاصة اتى اعتبرت نفسى ابنا لهذه التجربة بحكم صبغتها التى تجمع بين الاسلامية و الوطنية و غير الخاضعة ابدا للنفوذ الغربى و رغبته المملة في التاثير على سياسات و توجهات ماليزيا المهم تعمدت ان اعيش في ماليزيا قدر الامكان على انى لست غريبا عنها صحيح انى كنت مبهور كما سبق و ان قلت لكنى كنت احاول ان اهضم و استوعب هذه البيئة كنت اذهب الى السينما و اتجول في اسواق كوالالمبور و مولاتها قرأت صحفهم و بدات اتابع المناوشات السياسية بين احزابهم و المد الاسلامى في بعض ولاياتها صحيح انى لم استطع هضم او تجربة ارتداء الزى الوطنى لكن هذا لم يمنع ان يكون لى اصدقاء كثيرين منهم و لقد ساعدتنى انجليزيتى في متابعة كثير من الشئون هناك و فهم كثير مما كان يدور حولى خاصة موضوع انور ابراهيم و موضوع الانهيار الاقتصادى الذى ضرب المنطقة في هذه الفترة و هما موضوعان سنتحدث عنهما فيما بعد و لكننا دعونا الان نتحدث عن شئ اخر و ليكن الجامعة الاسلامية و ذكرياتى هناك
الجامعة الاسلامية :
كانت الجامعة الاسلامية تقع على مقربة من مسكنى تقريبا 15 دقيقة من المسكن و الداخل اليها يجد مسجدا جميلا اسمه مسجد الملك فيصل و خلفه الكليات في الجهة اليمنى و ملاعب الطلبة على اليسار ذهبت الي الجامعة في عدة معارض كنا ننصب هناك سرادق متوسط نعرض فيها الكتب لمدة تتراوح بين الخمسة عشر يوما و الشهر و كانت الجامعة تضم حوالى 4 الاف طالب عبارة عن خليط مثل برج بابل من عدة جنسيات اسيوية و افريقية و اوربية يجمع بينهم كلهم انهم مسلمون فيما عادة بعض الافراد من غير المسلمين ممن قرروا دراسة الاسلام و الجاكعة ذات امكانيات مادية رائعة تعطى لها الفرصة كى توزع على الطلاب منحا مادية كبيرة لكى يستطيعوا مجابهة مصاريف الحياة خاصة بالنسبة للطلاب الاجانب و للجامعة مكتبة هائلة كان يديرها استاذ سودانى محترم ذو شخصية حديدية اسمه الاستاذ عبد المجيد كان صارما في مواعيده و طلباته من الكتب و في الجامعة التقيت بنماذج من الطلاب كانت كافية لعمل كتب كاملة و من هذه الشخصيات الطالب محمد اسد و صديقه مصطفى وكانا من الشيشان و كانت حجرة اسد هذه عبارة عن خلية كفاح لقد تعرفا عليهما في اوج الحرب الشيشانية و تعرفت منهما على تاريخ هذا النزاع كانا وطنيان لدرجة تشعرك بانك في قلب الحدث تدخل الغرفة يصاح عيناك علم الشيشان معلقا على الحائط و صور زعماء الشيشان معلقة و كانك في مقر لأحد الاحزاب او مركز قيادة الثورة كانت الاحداث و المعارك تجعل من الطلاب الشيشانيين محاصرين في ماليزيا فلا هم يستطيعون العودة الى بلادهم خشية القبض عليهم و لا هم يستطيعون تلقى اى شئ من اهاليهم المحاصرين اصلا و لهذا كان لهم وضع خاص في الجامعة و حينما تحدثت بالمصادفة مع صاحب المكتبة عن احوال هؤلاء امرنى ان اعطيهم اى كتب يطلبوها بدون ان اهتم بالنقود و فعلا كنت اتساهل مع محمد اسد هذا كثيرا فيما يحتاجه من كتب و بالطبع لم يكن يحتاج من الكتب الا الى كتب دينية و فقهية و في الواقع كنا نحن الاثنان في موقع الاعجاب المتبادل بادوارنا فهو يعشق مصر بلد الازهر و يمنى نفسه ان يكون له مكان به يكمل به مسيرته الدراسية و يغبطنى على مصريتى و أنا معجب بالكفاح و الجهاد و البطولة التى يراها العالم كله في الشيشان كانت صور الضحايا على حوائط حجرته تجعلنى اقدر حقيقة التضحيات المبذولة هناك و لقد ظلت علاقة الصداقة بيننا قوية حتى غادرت ماليزيا .كما التقيت هناك برجل مسلم من بلد غريبة لم اكن اتوقع ان اجد شخص مسلم بها بل لقد استغربت حينما عرفت بلده فسشبحان الله الذى اوصل الاسلام اليها هذه البلد اسمها غريب و اسمه هو شخصيا اغرب فهو من بلد اسمها ترينداد و توباجو (ملحوظة ) و هى تقع ضمن مجموعة الجزر الامريكية الوسطى اما اسمه هو فأرجو ان تتماسكوا لدى سماعه فقد كان اسمه نيران شديد الحق نعم هذا هو اسمه نيران شديد الحق فكيف وصل الاسلام الى هذه الدولة النائية البعيدة و قد وجهت هذا السؤال فيما بعد الى احد اساتذة التاريخ فقال لى ان هناك احتمالين اولهما ان يكون جدوده من الزنوج المسلمين الذين تم تحريرهم على يد لينكولن و قد هاجروا الى هذه الجزيرة النائية اما الاحتمال الثانى فأن يكون جدوده من المصريين الذين ارسلهم اسماعيل للأشتراك في حروب المكسيك و قد تخلف جده هناك